فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- بين كلمتي {أرسلنا} و{رسولا} جناس الاشتقاق وهو من المحسنات البديعية.
2- قوله: {ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} بعد قوله: {ويعلمكم الكتاب والحكمة} هو من باب ذكر العام بعد الخاص لإفادة الشمول، ويسمى هذا في البلاغة بالإطناب.
3- {أموات بل أحياء} فيه إيجاز بالحذف أي لا تقولوا هم أموات بل هم أحياء وبينهما طباق.
4- التنكير في قوله: {بشيء من الخوف} للتقليل أي بشيء قليل للاختبار.
5- {صلوات من ربهم ورحمة} التنوين فيهما للتفخيم، والتعرض بعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم ربهم لإظهار مزيد العناية بهم.
6- {هم المهتدون} صيغة قصر وهو من نوع قصر الصفة على الموصوف. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}.
في قوله: {الَّذِينَ} أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ.
أحدُها: أَنْ يكُونَ منصوبًا على النَّعْتِ للصابرين، وهو الأَصُحّ.
الثَّانِي: أن يكون مَنْصُوبًا على المدْحِ.
الثَّالِثُ: أن يكون مَرْفُوعًا على خبر مبتدأ محذوف، أَيْ هُمُ الذينَ، وحينئذٍ يحتمل أن يكون على القطع، وأَنْ يكونَ على الاستئنافِ.
الرَّابُعُ: أَنْ يَكُون مُبْتَدأً، والْجُمْلَةُ الشرطية مِنْ {إِذا} وَجَوابِهَا صلةٌ، وخبرَهُ ما بعده مِنْ قولِه: {أولئك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ}.
قولُه تعالى: {أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ}.
والمصيبةُ: كُلُّ ما يُذي المؤْمِنَ وَيصِيبُهُ، يقالُ: أَصابَهُ إِصَابَة ومُصَابة ومُصَابًا.
والمصيبةُ: وَاحِدُ المَصَائب.
والمَصُوبَةُ بضم الصَّادِ مِثْلُ المصيبَةِ.
وأجمعتِ العربُ على هَمْزِ المَصَائب، وأَصْلُهُ الواو، كَأَنَّهم شَبَّهوا الأَصْلي بالزائد ويُجْمَعُ على مصاوب، وهو الأصْلُ، والمُصَابُ الإِصَابةُ، قال الشاعر: الكامل:
أَسُلَيْمُ إِنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلًا ** أَهْدَى السَّلاَم تَحِيَّة طُلْمُ

وصَابً السَّهْمُ القِرْطاسَ يُصيبه صَيْبًا لغةٌ في أَصَابَهُ.
والمُصِيبَةُ: النَّكْبَةُ يُنْكَبُها الإنسانُ وإِنْ صَغُرَتْ، وتستعمل في الشر.
قولهُ تعالى: {إِنَّا لِلَّهِ} إِنَّ وَاسْمَها وخَبَرَها في محلِّ نَصْبٍ بالقول، والأصلُ: إِنَّنَا بثلاث نوناتٍ، فحُذِفَتِ الأخيرةُ من إِنَّ لا الأُولَى، لأنه قد عُهِدَ حَذْفُها، ولأنها طرفٌ من الأطرافِ الأَوْلَى بالحذْفِ، لا يُقالُ: إنها لو حُذِفَتِ الثانيةُ لكانت مُخَفَّفةً، والمخففةُ لا تعمل على الأَفْصَح فكان يَنْبَغِي أَنْ تُلْغَى، فينفصل الضميرُ المرفوعُ حِينَئذٍ، إذْ لاَ عَمَلَ لهَا فيه، فدل عَدَمُ ذلك على أن المَحْذُوف النُّونُ الأُولَى لأن هذا الحذفَ حَذْفٌ لِتَوالِي الأَمْثَالِ لا ذلك الحذفُ المعْهُودُ في إن وأصابَتْهُمْ مُصيبةٌ من التَّجانُسِ المغاير؛ إذْ إِحْدَى كَلِمتِي المادَّةِ اسمٌ والأُخْرَى فِعْلٌ، ومثله: {أَزِفَتِ الآزفة} [النجم: 57] {وَقَعَتِ الواقعة} [الواقعة: 1].
قولهُ تعالى: {أُولَئِكَ} مبتدأٌ، و{صَلَوَاتٌ} مبتدأٌ ثان، و{عَلَيْهِمْ} خبرهُ مُقَدَّمٌ عليه، والجملةُ خبر قوله: {أُولَئِكَ}.
ويجوز أن تكون {صلوات} فاعلًا بقوله: {عليهم}.
قال أبو البقاء: لأنه قد قوي بوقوعه خبرًا.
والجملة من قوله: {أولئك} وما بعده خبر {الذين} على أحد الأوجه المتقدمة، أو لا محلّ لها على غيره من الأوجه.
و{قالوا} هو العامل في {إذا}؛ لأنه جوابها وتقدم الكلام في ذلك وأنها هل تقتضي التكرار أم لا؟
قولهُ تعالى: {وَرَحْمَةٌ} عطف على الصلاة، وإن كانت بمعناها، فإن الصلاة من الله رحمة؛ لاختلف اللفظين كقوله: الوافر:
وَقَدَّمَتِ الأَدِيمَ لِرَاهِشَيْهِ ** وَأَلْفَى قَوْلَها كَذِبًا وَمَيْنَا

وقوله: الطويل:
أَلاَ حَبَّذَا هِندُ وَأَرْضٌ بِهَا هِنْدٌ ** وَهِنْدٌ أَتَى مِنْ دُونِهَا النَّأْيُ وَالْبُعْدُ

قولُه تعالى: {مِنْ رَبِّهِمْ} فيه وَجْهَانِ:
أَحدُهما: أنه متعلق بمحذوف؛ لأنه صَفةٌ ل {صلوات} و{من} للابتداءِ، فهو في مَحَلِّ رفع، أيْ: صلوات كائنة مِنْ رَبِّهم.
والثَّانِي: أنه يتعلق بما تضمنه قوله: {عَلَيْهِمْ} من الفعل إذَا جعلناه رَافعًا ل {صلوات} رفع الفاعل، فعلى الأول، يكون قد حذف الصفة بعد {رَحْمة} أَيْ: ورحمة منه.
وعلى الثَّانِي: لاَ يَحْتَاجُ إلى ذلك.

.فَصْلٌ في الكلام في الآية:

قال أَبُوا الْبَقَاءِ: {هُمُ المُهْتَدُونَ} هُمْ: مُبْتَدأٌ أو توكيد أو فصل.
فإن قِيلَ: لِمَ أَفْرَدَ الرحْمَةَ وجَمَعَ الصَّلَواتِ؟
فالجوابُ: قال بعضُهم: إن الرحمَةَ مصدرٌ بمعنى التعطُّف والتحنُّن، ولا يجمعُ و{التَّاءُ} فيها بمنزلتها في الملّة والمحبّةِ والرأْفَةِ، والرحمةُ ليست للتحذيرِ، بل مَنْزِلتُها في مرية وثمرة، فكما لا يُقالُ: رقات ولا خلات ولا رأفات، ولا يُقال: رَحَمات، ودخول الجمعُ يُشْعرُ بالتحذِيرِ والتقييد بعده، والإفْرَادُ مُطْلقًا مِنْ غَيْر تَحْدِيدٍ، فالإفْرَادُ- هنا- أَكْملُ وأكرُ مَعْنًى مع الجمع؛ لأنه زيد بمدلول المفرد أكثر مِنْ مدلولِ الجَمْعِ، ولهذا كان قولُه تَعَالى: {فَلِلَّهِ الحجة البالغة} [الأنعام: 149] أَعَمَّ وأَتَمَّ مَعْنًى مِنْ أَنْ يُقالَ: لِلَّهِ الحُجَجُ البَوالِغُ، وكذا قولُه: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] أتمُّ مَعْنًى مِنْ أنْ يُقالَ: وإنْ تَعَدُّوا نِعَمَ الله لا تُحْصُوها، وقولُه سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً} [البقرة: 201] أتمُّ مَعْنًى مِنْ قوله: حَسَناتٍ، وقولُه: {بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ} [آل عمران: 174]، أتَمُّ معنى من قوله: بنعمٍ، ونظائِرهُ كَثِيرةٌ.
وأما الصّلوات فالمراد بها درجات الثَّوَاب، وهي إنما تحصل شيئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فكأنه دلّ على الصِّفَةِ المقصوُدَةِ. اهـ. باختصار.

.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل: من قوله: {وإذ ابتلى}.
البلاء للولاء كاللهب للذهب فأصدقهم ولاء أشدهم بلاء {وإذ ابتلى} الخليل بكلمات هي أحكام النبوة الخصال العشر في جسده ولوازم الرسالة الصبر عند صدمات المكروهات وفقدان المألوفات. وموجبات الخلة التبري عما سوى الخليل {إني بريء مما تشركون} [الأنعام: 78] وعداوة غير الخليل {فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} [الشعراء: 77] ورفع الوسائط حيث قال له جبريل في الهواء هل لك من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا والتسليم أسلمت لرب العالمين، والرضا بما أمر به عند ذبح الولد {فلما أسلما وتله للجبين} [الصافات: 103] بخلاف ما قال نوح {إن ابني من أهلي} [هود: 45] فلا جرم زيد له في الاصطفاء وشرف بكرامة الإمامة والاقتداء به {وإذ جعلنا البيت} [البقرة: 125] بيت القلب كما جاء «أن الله تعالى أوحى إلى داود فرغ لي بيتًا أسكن فيه فقال: وكيف يا رب؟ فقال: فرغ لي قلبك» أي جعلنا القلب الإنساني مثابة للناس ترجعون إليه يا طلابي وزواري كما ترجعون إلى الكعبة في الصورة، ومأمنًا للسالك من تصرفات الشيطان ومكايده حين بلغ منزل القلب، لأن القلب خزانة الحق محروسة من دخول الشيطان. وإنما جولان لص الشيطان في ميادين الصدور كقوله: {يوسوس في صدور الناس} [الناس: 5] {واتخذوا} [البقرة: 125] عند الوصول إلى كعبة القلب {من مقام إبراهيم} [البقرة: 125] وهو الخلة قبلة توجهكم ليكون قصدكم إلي لا إلى غيري كما قال إبراهيم {إني ذاهب إلى ربي سيهدين} [الصافات: 99] {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل} [البقرة: 125] في الميثاق {أن طهرا} القلب من أدناس تعلقات الكونين وأوضار ملاحظة الأغيار {للطائفين} [البقرة: 125] وهي واردات الأحوال {والعاكفين} [البقرة: 125] وهي الملكات والمقامات {والركع السجود} [البقرة: 125] وهي صفات القلب المطهرة من الإرادة والصدق والإخلاص والتواضع والخوف والرجاء والتسليم والرضا والتوكل.
وجملة هذه الصفات العبودية {وإذ قال إبراهيم} [البقرة: 126] الآية لما أهبط آدم الروح إلى الأرض الجسد وفقد ما كان يجد من روائح ألطاف الحق في جنة حظيرة القدس استوحش، فأنزل الله تعالى ياقوتة القلب من جنة حظيرة القدس له بابان شرقي إلى حظيرة رب العالمين تطلع منها شوارق الألطاف، وباب غربي إلى عالم الجسد وفيه قناديل العقل، وأنزل حجر الذرة المخاطبة بخطاب {ألست بربكم} [الأعراف: 172] منورًا بنور جواب {بلى} قد ألقم كتاب العهد يوم الميثاق وهو يمين الله في أرضه، فلما كان طوفان آفات الصفات البشرية من الطفولية إلى البلوغ، وفار تنور الشهوات رفع بيت معمور القلب إلى السماء الرابعة يعني حجب أستار خواص العناصر الأربع، وخبئ حجر الذرة في أبي قبيس صفات النفس، فلما أمر إبراهيم الروح بعد البلوغ ببناء بيت القلب وعمارته من خمس أجبل أركان الإسلام وقد اهتدى إلى موضع بيت القلب بدلالة بيت السكينة {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} [الفتح: 4] فجعل إسماعيل النفس المطمئنة يجيء بأحجار أعمال الشريعة من جبال أركان الإسلام ويناولها إبراهيم الروح وهو يبني إلى أن بلغ موضع الحجر فنودي من أبي قبيس الهوى إن لك عندي وديعة فخذها. فخلص حجر الذرة من أستار صفات النفس والهوى فوضعه مكانه، وكان أبيض فلما لمسته حيض اللذات الدنيوية ومشركو الشهوات النفسانية في جاهلية الطفولية اسودَّ، فلما فرغا من رفع قواعد بيت القلب سألا ربهما الاستسلام لأحكامه الظاهرة الشرعية والباطنة التي جف القلم بها في الأزل، وكذا لذريتهما المتولدات من الصفات الروحانية والنفسانية وأن يبعث فيهم رسولًا منهم لا من الخارج، فمن لم يكن له في القلب رسول وارد من الحق وهو السر لم يسمع كلام الرسول لخارجي. ثم إن إبراهيم الروح يوصي لمتولداته من القلب وصفاته والسر وصفاته والنفس وصفاتها والقوى البشرية والحواس الخمس والأعضاء والجوارح كله ملته. وفي الآيات إشارة إلى أنه تعالى إذا تجلى لروح عبد مخلص متضرع إليه محب له، ظهرت آثار أنوار تجليه على قلبه وسره ونفسه وقواه وحواسه وجميع أعضائه ويخضعون له بكليتهم فيعبدون إلهًا أحدًا لا متفرقًا من الهوى والدنيا والآخرة والله ولي التوفيق. اهـ.

.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة في الآيات: {إِنَّ الصفا} أي الروح الصافية عن درن المخالفات {والمروة} [البقرة: 158] أي النفس القائمة بخدمة مولاها من إعلام دين الله ومناسكه القلبية والقالبية، فمن بلغ مقام الوحدة الذاتية، ودخل بيت الحضرة الإلهية بالفناء عن السوي أو زار الحضرة بتوحيد الصفات واتزر بأنوار الجلال والجمال فلا حرج عليه حينئذٍ أن يطوف بهما ويرجع إلى مقامهما بالوجود الموهوب بعد التمكين المطلوب ومن تبرع خيرًا بالتعليم والنصيحة وإرشاد المسرشدين فإن الله يشكر عمله ويعلم جزاءه {إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ} ما أفضنا عليهم من أنوار المعارف وهدى الأحوال {مِن بَعْدِ مَا بيناه لِلنَّاسِ فِي} كتاب عقولهم المنورة بنور المتابعة {أولئك} يبعدهم الله تعالى ويحجبهم عنه {وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون} [البقرة: 159] من الملأ الأعلى فلا يمدونهم، ومن المستعدين فلا يصحبونهم {إِلاَّ الذين} رجعوا إلى الله تعالى وعلموا أن ما هم فيه ابتلاءً منه عز وجل، وأصلحوا أحوالهم بالرياضة، وأظهروا ما احتجب عنهم بصدق المعاملة {فَأُوْلَئِكَ} أقبل توبتهم {وَأَنَا التواب الرحيم} [البقرة: 0 16] {إِنَّ الذين كَفَرُواْ} واحتجبوا عن الحق، وبقوا على احتجابهم حتى زال استعدادهم وانطفأ نور فطرتهم {أولئك} [البقرة: 161] استحقوا الطرد والبعد عن الحق وعالم الملكوت، {خالدين} في ذلك {لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب} لرسوخ الأمور الموجبة له فيهم {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} [البقرة: 162] للزوم تلك الهيآت المظلمة إياهم {وإلهكم إله واحد} [البقرة: 163] بالذات لا شيء في الوجود غيره فأنى يعبد سواه، وهو العدم البحت.
إن في إيجاد سموات الأرواح وأرض النفوس، واختلاف النور والظلمة بينهما، وفلك البدن التي تجري في بحر الاستعداد بما ينفع الناس في كسب كمالاتهم، وتكميل نشأتهم، وما أنزل الله من سماء الأرواح من ماء العلم فأحيا به أرض النفوس بعد موتها بالجهل وبث فيها القوى الحيوانية، وفرق في أفلاكها سيارات عالم الملكوت، وتصريف رياح النفحات المحركة لأغصان أشجار الشوق في رياض القلوب وسحاب التجليات المسخر بين سماء الروح وأرض النفس ليمطر قطرات الخطاب على نيران الألباب لتسكن ساعة من الاحتراق بالتهاب نار الوجد لآيات ودلائل {لقوم يعقلون} [البقرة: 164] بالعقل المنور بالأنوار القدسية المجرد عن شوائب الوهم، {وَمِنَ الناس} من يعبد من دون الله أشياء منعته عن خدمة سيده، والتوجه إليه يحبونهم ويميلون إليهم كحبهم لله ويسوون بينهم وبينه سبحانه لأنهم لم يذوقوا لذة محبته ولم يروا نور مشاهدته وحقائق وصله وقربه {والذين ءامَنُواْ} الإيمان الكامل {أَشَدُّ حُبّا لِلَّهِ} لأنهم مستغرقون بمشاهدته هائمون بلذيذ خطابه من عهد {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ} [الأعراف: 172] لا يلتفتون إلى سواه طرفة عين فهيهات أن يزول حبهم أو يميل إلى الأغيار لبهم وهم أحبوه بحبه وصارت قلوبهم عرش تجلياته وقربه {وَلَوْ يَرَى الذين ظَلَمُواْ} [البقرة: 165] وأشركوا من هو في الحقيقة لا شيء ولا حي ولا ليّ في وقت رؤيتهم عذاب الاحتجاب عن رب الأرباب، وإن القدرة لله جميعًا، وليس لآلهتهم التي ألهتهم عنه منها شيء لندموا وتحسروا حيث لم يقصدوا وجه الله تعالى ولم يطلبوه، وعند ذلك يتبرؤ الاتباع من المتبوعين وقد رأوا عذاب الحرمان {وتقطعت بهم} [البقرة: 166] الوصل التي كانت بينهم في الدنيا وتمنوا ما لا يمكن بحال وبقوا بحسرة وعذاب.
وكذا يكون حال القوى الروحانية الصافية للقوى النفسانية التابعة لها في تحصيل لذاتها، وطوبى للمتحابين في الله تعالى عز شأنه. اهـ.